أ.د. محمد الهادي الطرابلسي
هذا كتاب رائد في الأسلوبية الحديثة، يؤسس الأسلوبية التطبيقية في الثقافة العربية. كان له منذ صدوره صدى كبير في تونس والبلاد العربية بل وفي أروبا وأمريكا حتى أصبح من مراجع البحث الأساسية في فن ّ القول وأدبية الأدب ومناهج البحث في مسالك الإبداع، كما أصبح مصدرا في الدروس الجامعيّة: تعتمد أبوابه وتحفظ نتائجه. وقد انطلقت منه في الجامعات الوطنية والاجنبية حركات بحث كثيرة لتوسيع الآفاق التي فتح مجالاتها أمام الباحثين.
− الطبعة الأولى: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، تونس 1981
− الطبعة الثانية: المجلس الأعلى للثقافة، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1996.
الاسلوبية هي منهج نقدي لساني تقوم على دراسة النص الادبي دراسة لغوية، لاستخلاص اهم العناصر المكونة لادبية الأدب إذ تجعل منطلقها الاساس النص الادبي اي أن الاسلوبية تنطلق من النص لتصب في النص أو كما يقال: قراءة النص بالنص ذاته وتنقسم الاسلوبية الى أنواع تبعاً للمدارس النقدية منها الاسلوبية التعبيرية والاسلوبية الادبية والاسلوبية الاجتماعية النفسية والاسلوبية البنائية وغيرها من الاسلوبيات النظرية.
أما أبرز رواد الاسلوبية الادبية عربيا فهو الدكتور محمد الهادي الطرابلسي والدكتور محمد عبد المطلب والدكتور صلاح فضل والدكتور شكري عياد والدكتور عبد السلام المسدي.
مفهوم الأسلوبية :
تعددت تعريفات العلماء للأسلوبية وتنوعت وبينها تباين من حيث الصياغة والمنطلقات وهي مستوحاة من الأسلوب ولعنا نأخذ لمحة تاريخية عن هذا المصطلح .
لقد عرف مصطلح الأسلوب قديما عند العرب كما عرف عند غيرهم وهو في المعجم العربي يعني: السطر من النخيل وكل طريق ممتد ، والأسلوب هو الطريق والمذهب , والجمع أساليب . وقد استخدم علماء العربية هذا اللفظ في دلالات اصطلاحية متعددة , فقد ذكر ابن قتيبة مصطلح الأسلوب في قوله :"إنما يعرف فضل القرآن من كثر نظره واتسع علمه وفهم مذاهب العرب وافتنانها في الأساليب ".
كما ذكره الخطابي في معرض حديثه عن إعجاز القرآن "وهنا نوع من الموازنة وهو أن يجري أحد الشاعرين في أسلوب من أساليب الكلام وواد من أوديته ويقول الباقلاني في حديثه عن الإعجاز أيضا :"وقد بينا في الجملة مباينة أسلوب نظم القرآن جميع الأساليب ومزيته عليها في النظم والترتيب ". والذي يظهر من سياق كلامهم أنهم لا يستخدمون مصطلح الأسلوب بالمعنى المستخدم الآن وإنما يعنون به الطريقة الخاصة في النظم والسمة المميزة لكلام عن كلام آخر وهذا يفيدنا أن أصل اللفظ وشيء من المعنى كان موجودا عند علمائنا الأوائل قديما .
وقد تطرق عبد القاهر الجرجاني للأسلوب فقال في تعريفه: فقال هو" الضرب من النظم والطريق فيه "كما تعرض له الحازم القرطاجني وابن خلدون وهذا كله مما يؤكد وجود أصل هذا المصطلح قديما. أما عن الأسلوب عند الأوروبيين قديما فقد كان من عهد أرسطو ومن بعده وكانت تستخدم أصلا للقلم والريشة ثم استخدمت لفن النحت العمارة ثم دخلت في مجال الدراسات الأدبية , حيث صارت تعني أي طريق خاص لاستعمال اللغة بحيث تكون هذه الطريقة صفة مميزة للكاتب أو الخطيب. أما عن الأسلوب في العصر الحديث فإنه يعرّف بعدة تعريفات نظرا لتعدد الاعتبارات وهي على النحو الآتي: 1- باعتبار المرسل أو المخاطِب:
هو التعبير الكاشف لنمط التفكير عند صاحبه ولذلك قالوا الأسلوب هو الرجل .
2- باعتبار المتلقي والمخاطب :
هو سمات النص التي تترك أثرها على المتلقي أيا كان هذا الأثر .
3- باعتبار الخطاب :
هو مجموعة الظواهر اللغوية المختارة الموظفة المشكلة عدولا , وما يتصل به من إيحاءات ودلالات .
أما عن الأسلوبية في العصر الحديث :
فهي كما يقول مؤسسها الأول شارل بالي : علم يعنى بدراسة وقائع التعبير في اللغة المشحونة بالعاطفة المعبرة عن الحساسية . ويقول عبد السلام المسدي عن هذا المصطلح أنه مركب من جذر " أسلوب " ولاحقته "ـته" فالاسلوب ذو مدلول إنساني ذاتي واللاحقة تختص بالبعد العلماني العقلي الموضوعي. وعرفها جاكبسون: بأنها بحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية مستويات الخطاب أولا عن سائر أصناف الفنون الإنسانية ثانيا . وقد حاول أحد الباحثين أن يجمع هذه التعريفات في تعريف واحد فقال: هي جملة الصيغ اللغوية التي تعمل على إثراء القول وتكثيف الخطاب وما يستتبع ذلك من بسط لذات المتكلم وبيان التأثير على السامع.
ومن هنا يتضح لنا الفرق بين الأسلوب والأسلوبية (علم الأسلوب) وهي كما يلي: v الأسلوب وصف للكلام , أما الأسلوبية فإنها علم له أسس وقواعد ومجال .
v الأسلوب إنزال للقيمة التأثرية منزلة خاصة في السياق , أم الأسلوبية فهي الكشف عن هذه القيمة التأثرية من ناحية جمالية ونفسية وعاطفية .
v الأسلوب هو التعبير اللساني والأسلوبية دراسة التعبير اللساني .
ملحوظة:من العلماء من قال بأن مصطلح"علم الأسلوب" مرادف للأسلوبية ومنهم من فرق فقال بأن علم الأسلوب يقف عند تحليل النص بناء على مستويات التحليل وصولا إلى علم بأساليبه .
أم الأسلوبية فهي تتجاوز النص المحلل المعلومة أساليبه إلى نقد تلك الأساليب بناء على منهج من مناهج النقد المعروفة , ولكن الذي يظهر أن الفرق بينهما ضئيل جدا وأنهما يلتقيان في كثير من الجوانب . نشأة الأسلوبية :
كانت البداية للأسلوبية قديما عند العالم السويسري فرديناند دي سوسير, الذي أسس علم اللغة الحديث وفتح المجال أمام أحد تلاميذه ليؤسس هذا المنهج وهو شارل بالي1865-1947م فوضع علم الأسلوبية كجزء من المدرسة الألسنية , وأصبحت الأسلوبية هي الأداة الجامعة بين علم اللغة والأدبوبذلك فقد ارتبطت نشأة الأسلوبية من الناحية التاريخية ارتباطا واضحا بنشأة علوم اللغة الحديثة . ثم إن الأسلوبية كادت أن تتلاشى لأن الذين تبنوا وصايا بالي في التحليل الأسلوبي سرعان ما نبذوا العلمانية الإنسانية ووظفوا العمل الأسلوبي بشحنات التيار الوضعي فقتلوا وليد بالي في مهده ومن أبرز هؤلاء في المدرسة الفرنسية ج.ماروزو ,ولكن الحياة عادت إلى الأسلوبية بعد عام 1960م حيث انعقدت ندوة عالمية بجامعة آنديانا بأمريكا عن(الأسلوب) ألقى فيها ر.جاكبسون محاضرته حول الألسنية والإنشائية فبشر يومها بسلامة بناء الجسر الواصل بين الألسنية والأدب . وفي سنة 1965م ازداد الألسنيون اطمئنانا إلى ثراء البحوث الألسنية واقتناعا بمستقبل حصيلتها الموضوعية عندما أصدر ت.تودوروف أعمال الشكليين الروسيين مترجمة إلى الفرنسية . مبادئ الأسلوبية :
v الاختيار:
وهو من أهم مبادئ علم الأسلوب لأنه يقوم عليه تحليل الأسلوب عند المبدع , ويقصد بها العملية التي يقوم بها المبدع عندما يستخدم لفظة من بين العديد من البدائل الموجودة في معجمه فاستخدام هذه اللفظة من بين سائر الألفاظ هو ما يسمى " اختيار" وقد يسمى "استبدال" أي أنه استبدل بالكلمة القريبة منه غيرها لمناسبتها للمقام والموقف . ويتصل بهذا المبدأ شيء آخر هو ما يسمى بـ" محور التوزيع " أو " العلاقات الركنية" ويقصد بها تنظيم وتوزيع الألفاظ المختارة وفق قوانين اللغة وما تسمح به من تصرف , وهذه العملية هي التي يسميها جاكبسون: إسقاط محور الاختيار على محور التوزيع .
v العدول :
ويسمى "الانزياح " أو "الانحراف" كما سماه ابن جني قديما, أو كما سماه جاكبسون "خيبة الانتظار", ولهذا المبدأ أهمية خاصة في علم الأسلوب حتى سماه بعضهم " علم الانحرافات " . وهذا المبدأ ينطلق من تصنيف اللغة إلى نوعين: - لغة مثالية معيارية نمطية متعارف عليها.
- ولغة إبداعية مخالفة للنمط المعياري السابق.
فالعدول هو: مخالفة النمط المعيار المتعارف عليه إلى أسلوب جديد غير مألوف عن طريق استغلال إمكانات اللغة وطاقاتها الكامنة .
ويتضح في هذا التعبير شرط يضبط هذا العدول حتى لا يخرج عن الحد المقبول وهو أن يكون العدول في حدود ما تسمح به قواعد اللغة , وكذلك يجب أن يكون هذا العدول ذا فائدة فليس العدول غاية في ذاته إنما المقصود منه إثارة السامع وحفزه على التقبل . v التركيب :
يقوم التركيب بنظم الكلمات المختارة في الخطاب الأدبي متوسّلاً في ذلك بعمليتي الحضور و الغياب، الحضور للكلمات المختارة و الغياب للكلمات الأخرى المصفوفة في جدول الاختيار، و الدخول في علاقة جدلية أو استبدالية، فالكلمات الأخرى تتوّزع غيابياً في شكل تداعيات للكلمات المنتمية لنفس الجدول الدلالي.
( إنّ صورة الغياب هذه تعطي للأفعال معانٍ إضافيةً لأنها بالنصّ دائماً حافّةٌ، كما تعطيها أيضاً قيمةَ الشهادة على أسلوبية الجملة ).
فالتحليل هو دراسة الانسجام الحاصل بين المفردات و الأثر الجمالي و الفني الذي يتركه في ذهن المتلقّي، و على هذا يكون الأسلوبُ عند ( جاكبسون ) تطابقاً لجدول الاختيار على جدول التأليف أو التركيب.
إنّ الدّرسَ الأسلوبيّ لا يقف عند توصيف بنية التركيب في الخطاب الأدبي بل يستقصي من خلال ما يتفرّع عنها من أشكالٍ تعبيرية كالتقديم والتأخير والحذف والذكر والتعريف والتنكير ... إلخ فكلّ شكلٍ من هذه الأشكال هو خاصيةٌ أسلوبية ذاتُ دلالة خاصّة بتركيبها ضمن النّسق اللغوي.
اتجاهات الأسلوبية ومناهجها :
1- الأسلوبية التعبيرية :
ويقصد بها طاقة الكلام الذي يحمل عواطف المتكلم وأحاسيسه حيث أن المتكلم يحاول أن يشحن كلماته بكم كبير من الدلالات التي يظهر أثرها على المتلقي وهي ظاهرة تكثيف الدوال خدمة للمدلولات كما يسميها البعض ويعد بالي رائدا لهذا الاتجاه. 2- الأسلوبية البنائية :
وهي امتداد لآراء سوسير في التفريق بين " اللغة " و" الكلام" كما تعد امتدادا لمذهب بالي في الأسلوبية التعبيرية الوصفية , وفقد طور البنائيون في بعض الجوانب وتلافوا بعض جوانب النقص عند سابقيهم حيث عايشوا الحركة الأدبية وهنا يكون التحليل الأسلوبي خاضعا لتفسير العمل الفني باعتباره كائنا عضويا شعوريا . 3- الأسلوبية الإحصائية :
وهذا الاتجاه يعنى بالكم وإحصاء الظواهر اللغوية في النص ويبني أحكامه بناء على نتائج هذا الإحصاء .
ولكن هذا الاتجاه إذا تفرد فإنه لا يفي الجانب الأدبي حقه فإنه لا يستطيع وصف الطابع الخاص والتفرد في العمل الأدبي , وإنما يحسن هذا الاتجاه إذا كان مكملا للمناهج الأسلوبية الأخرى . ويبقى أن المنهج الإحصائي أسهل طريق لمن يتحرى الدقة العلمية ويتحاشى الذاتية في النقد, فيجب أن يستخدم هذا المنهج كوسيلة للإثبات والاستدلال على موضوعية الناقد أي بعد أن نتعامل مع النص بالمناهج الأخرى التي تبرز جوانب التميز في النص . 4- منهج الدائرة الفيلوجية :
وهو منهج يقوم بدراسة العمل الأدبي على ثلاث مراحل هي:
الأولى: أن يقرأ الناقد النص مرة بعد مرة حتى يعثر على سمة معينة في الأسلوب تتكرر بصفة مستمرة.
الثانية: يحاول الناقد أن يكتشف الخاصية السيكلوجية(الأخلاقية) التي تفسر هذه السمة.
الثالثة: يعود مرة أخرى إلى النص لينقب عن مظاهر أخرى لبعض الخصائص العقلية.
فهذه المراحل الثلاث تشكل في هيئتها الدوران حول النص مرة بعد مرة ويعتبر سبتزرأول من طبق هذا المنهج على أعمال ديدرو ورواية شارل لويس . 5- أسلوبية الانزياح :
وهي تقوم على مبدأ انزياح اللغة الأسلوبية عن اللغة العادية ويعرف الأسلوب على أنه انزياح عن المعيار المتعارف عليه, فهم يعتقدون أن الأسلوب الجيد هو الذي ينحرف عن اللغة الأصلية وطريقتها الاعتيادية على اختلافهم في مدى هذا الانحراف والانزياح فمنهم من يدعو إلى الخروج عن كل قواعد اللغة وهذا ما طبقه أهل الحداثة في أدبهم , والمعتدل منهم يقول أن الانزياح يكون في حدود قواعد اللغة حيث يكون الإبداع بسلوك طرق جديدة غفل عنها الآخرين لكنها لا تخالف قواعد اللغة أي النحو ويسميها كوهمين " الانتهاك " حيث أن المبدع يعتمد في إبداعه على اختراق المستوى المثالي في اللغة وانتهاكه. 6- الأسلوبية الأدبية :
وهي تعنى بدراسة الأسلوب الأدبي بجانبيه الشكلي والمضموني , ويسعى أصحاب هذا الاتجاه إلى اكتشاف الوظيفة الفنية للغة النص الأدبي وذلك عن طريق التكامل بين الجانب الأدبي الجمالي الذي يهتم به الناقد , والجانب الوصفي اللغوي اللساني .
وهذا هو الذي يميز هذا الاتجاه عن الاتجاه اللغوي الذي لا يهتم بالمعنى وغنما بالشكل والصياغة . 7- الأسلوبية التأثرية :
وبنصب اهتمام هذا الاتجاه على المتلقي وقياس تأثيرات النص عليه من خلال استجابته وردود فعله , حيث إن المتلقي له الحق في توسيع دلالات النص من خلال تجربته هو .