الخميس، 12 نوفمبر 2015

المحاضرة الثانية: الدكتور عبد الكريم حسن والموضوعية البنيوية


قبل الكلام عن عبد الكريم حسن نحتاج معرفة المصطلحات التالية:
-الموضوعية                           -الموضوعاتية                               -البنيوية
1الموضوعية:
هو النقد الذي يصدر عن دراسة وتمحيص، ويلتزم الناقد فيه منهجا معينا، ويطبق القواعد الذي أتفق عليها عدد من النقاد ويحكم ذوقه وعقله وثقافة الفنية والعامة في آن واحد، ولا يستسلم لميوله الخاصة ،ولا يتحيز ويدعم أحكامه بالحجج والبراهين. ويكون هذا النقد مفصلا ومعللا، حيث يحلل الناقد العمل الأدبي ،وينظر في أجزائه كلها, ويبين مواطن الإجادة والتقصير فيها ,ويشرح سبب حكمه عليها بالإجادة أو التقصير, ثم يبين من الأحكام الجزئية حكم عام ,يقوم فيه العمل الأدبي كله. ويقتضي هذا النوع من النقد أن تكون لدى الناقد خبرة كبيرة ،تمكنه من التحليل الدقيق والقدرة على المناقشة, وكذلك ذوق مدرب يساعده على تميز مستويات الجمال والقبح المختلفة ,وثقافة واسعة تعينه على الموازنة وتطبيق القواعد النقدية. ويكون حكم النقاد في النقد الموضوعي متماثلة أو متقاربة، فلو أعطينا عملا أدبيا واحد لمجموعة من النقاد الموضوعيين فنقدوه ،لوجدنا نقدهم متشابها, والخلافات في ذلك محدودة, ويكون سببها الفروق الدقيقة في الأذواق .وهنا نذكر أن النقد الأدبي يختلف عن العلوم التجريبية
(الرياضيات الفيزياء الكيمياء..) في أن قواعده ليست حقائق علمية ثابتة ،بل حقائق وجدانية, تسمح بوجود فروق محدودة بين ناقد وآخر.
ولاشك أن النقد الموضوعي نتيجة من نتائج ارتقاء النقد ,ودليل على التقدم الأدبي والحضاري, لأنه يعتمد على دراسة وتحليل, ويسلك طريق المناقشة والاحتجاج ,لكي يقنعنا بأحكامه ,وهو الذي يساعد الأدباء على تحسين إبداعهم, ويساهم في تطوير الأدب, ويرتقي بأذواق القراء.
2المقاربة الموضوعاتية:
تنبني المقاربة الموضوعاتية على استخلاص الفكرة العامة أو الرسالة المهيمنة أو الرهان المقصدي أو الدلالة المهيمنة أو البنية الدالة التي تتجلى في النص أو العمل الأدبي، عبر النسق البنيوي وشبكاته التعبيرية تمطيطا وتوسيعا، أو اختصارا وتكثيفا، والبحث أيضا عما يجسد وحدة النص العضوية والموضوعية اتساقا وانسجاما وتنظيما. ولايمكن للمقاربة الموضوعاتية أن تبرز الفكرة المهيمنة أوالتيمة المحورية إلا بعد الانطلاق من القراءة الصغرى نحو القراءة الكبرى، والتعرف إلى الجنس الأدبي، ورصد حيثياته المناصية والمرجعية، وتفكيك النص إلى حقول معجمية، وجداول دلالية إحصائية  لمعرفة الكلمات والعبارات والصور المتكررة في النص أو العمل الإبداعي  اطرادا وتواترا.
هذا، وترصد المقاربة الموضوعاتية كل الكلمات- المفاتيح، والصور الملحة، والعلامات اللغوية البارزة، والرموز الموحية، وقراءتها إحصائيا وتأويليا. ولن تكون القراءة الموضوعاتية  ناجعة وسليمة إلا بقراءة السياق النصي والذهني للكلمات، واستكشاف المفردات المعجمية المتكررة. ويمكن التسلح، في هذا السياق القرائي،  بمجموعة من الآليات المنهجية، كالتشاكل،والتوازي، والتعادل، والترادف، والتطابق، والتقابل، والتكرار، والتواتر،  لتحديد البنيات الدالة المهيمنة والمتكررة في النص. ويقوم هذا النقد الموضوعاتي أيضا على تحويل ما هو روحاني وزئبقي وجواني وشاعري إلى وحدة دلالية حسية  مبنينة موضوعيا وعضويا.
ومن جهة أخرى، يستلزم النقد الموضوعاتي قراءة نص واحد أو مجموعة من النصوص والأعمال الإبداعية التي كتبها الأديب المبدع، والبحث عن بنياتها الداخلية، واستكناه مرتكزها البنيوي المهيمن، وجمع كل الاستنتاجات في بوتقة تركيبية متجانسة ومتضامة، واستقراء اللاشعور النصي عند المبدع، وربط صورة اللاوعي بصورة المبدع على المستوى البيوغرافي والشخصي.
وعليه،  فالمقاربة الموضوعاتية  هي التي تبحث في أغوار النص لاستكناه بؤرة الرسالة، مع التنقيب عن الجذور الدلالية المولدة لأفكار النص، قصد الوصول إلى الفكرة المهيمنة في النص، وتحديد نسبة التوارد لتحديد العنصر المكرر فكريا، سواء أكان ذلك في الشعر أم في النثر. وتهدف هذه المقاربة كذلك إلى استخلاص البؤرة المعنوية، واستجلاء الخلية العنوانية،  وتحديد الجذر الجوهري، ورصد الفعل المولد، واستخراج النواة الأساسية التي يتمحور حولها النص إسنادا وتكملة،عبر عمليات نحوية إبداعية، كالحذف، والزيادة، والتحويل، والاستبدال. ومن الصعوبة بمكان، تحديد مفهوم النقد الموضوعاتي بكل دقة ونجاعة نظرا لتعدد مدلولاته الاشتقاقية والاصطلاحية، وتذبذب مفاهيمه من دارس إلى آخر، وكثرة آلياته الاصطلاحية وأدواته الإجرائية بسبب تعدد المناهج التي تحويها المقاربة الموضوعاتية. ويعني هذا أن المقاربة الموضوعاتية تطرح عدة أسئلة، وتفرز عدة صعوبات وإشكاليات وعوائق مفاهيمية ومنهجية وتطبيقية، وتختلط بالنقد المضموني، كما تلتبس بالمناهج النقدية والفلسفية الأخرى.
أنواع المقاربة الموضوعاتية
يمكن الحديث عن أنواع عدة من المقاربات الموضوعاتية، فهناك الموضوعاتية الدلالية، والموضوعاتية العنوانية، والموضوعاتية الشاعرية، والموضوعاتية الصوفية الحدسية، والموضوعاتية الفلسفية، والموضوعاتية البنيوية، والموضوعاتية الذاتية، والموضوعاتية البنيوية. وعلى العموم، وأتحدث عن موضوعاتية بنيوية شكلية (Thématique Structurale).
بيد أن ثمة عدة صعوبات واجهت الموضوعية أثناء احتكاكها مع المنهجية البنيوية ذات الطرح اللساني الوصفي، ويمكن حصر هذه المشاكل في النقط التالية:
إن البنيوية تدرس نسقيا ما هو ضمني وعميق.
إنها تستخلص البنيات الجزئية والبنيات الكبرى فقط.
ترفض البنيوية بواعث العمل الأدبي ومصادره. أي: إن العمل الأدبي بنية مستقلة غير مرتبطة بالمبدع، ولا بظروفه السوسيو اقتصادية أو الثقافية أو التاريخية.
إنها تبتعد عن التفسير والتأويل، وتستند إلى التحليل الداخلي المحايث والسانكروني للعمل الأدبي وصفا وتصنيفا.
من خلال هذه السمات المخصصة للبنيوية باعتبارها منهجا وحركة ونشاطا فكريا، يمكن تفريع  الموضوعاتية إلى موضوعاتية ذاتية وموضوعاتية موضوعية، فالثانية هي الأكثر انسجاما مع البنيوية، ما دامت تنظر إلى العمل الأدبي على أنه "موضوع " (Objet)، بينما الأولى تنظر إليه على أنه ذات (Sujet). ويمثل الاتجاه الأول جورج بوليه، وهو من النقاد الموضوعاتيين الذاتيين، ويرى أن هدف النقد هو "الوصول إلى معرفة صميمية بالعمل المنقود، وأنه لا يمكن بلوغ هذه الصميمية إلا داخل الفكر الناقد محل الفكر المنقود" . ويسمى هذا النوع من النقد لدى بوليه بالنقد "التطابقي" الذي يتطابق فيه وعي الناقد مع وعي المنقود. لكن هذا الموقف يتعارض مع الموقف البنيوي؛ لأن البنى تحدد إجرائيا داخل العمل الأدبي، وإنها لا تعاش خارجه، وإنما تقع البنى تحت ترسبات الظاهر، وتتحلل في أغواره العميقة. لذا، لابد من استنباط  المرتكز البنيوي العميق أو المستوى المحدد الثابت، لأنه هو الذي يتحكم في الظاهر المتغير، عبر الإبدال، والحذف، والتحويل، والزيادة، والنقصان.
ومن هنا،  فالموضوعاتية الموضوعية  سمة خاصة بنقد ستاروبنسكي في دراسته البنيوية المعنونة بــ( وليمة تورينو)، ونقد سارتر - كما لاحظ ذلك ماجليولا بصدد تعليقه على دراسة سارتر لرواية جون دوس باسوس- فقال:" يورد لنا جان بول سارتر في قسم ظاهري من مقالته المسماة" بشأن جون دوس باسوس" مثالا ممتعا، فهو يناقش الدلالة المعنوية او التيماتية للزمن عند دوس باسوس، ثم يدور حول بعض الملامح المورفولوجية أو الصرفية التي يراها معبرة عن هذا المعنى... ويتفق تناول سارتر التضايف الصرفي السيمانطيقي الخاص بالدلالات هنا مع المباشرة الظاهرية، وهكذا، توفر لنا فرصة رائعة لمقارنتها – أي دراسة سارتر- بالتناول البنيوي الأوربي ممثلا في رومان جاكبسون وكلود ليفي شتروس" . ولا ننسى كذلك  الناقد تزتيفان تودوروف في كتابه(مدخل إلى الأدب العجائبي) الذي طبق فيه المنهج البنيوي على موضوعة العجيب والغريب في القصص الفانطازية الغربية.
 أضف إلى ذلك، إذا كانت البنيوية  ترفض كل نقد تفسيري أو نفسي، فإن مأزق الموضوعاتية يتمثل في استعانتها بالتحليل النفسي أثناء دراستها لموضوع الرغبة، واستعارتها لمفاهيمها السيكولوجية كالكبت، واللاوعي، والهوام...إلخ، ويتعارض هذا كله مع المنهج البنيوي الذي يرفض كل تفسير خارجي للعمل الأدبي. ومن ثم، فالموضوعاتية نقد نفسي فردي، يهتم بنفسية المبدع/الفرد، دون الاهتمام بالوسط الجماهيري أو المتلقي أو العصر.
وهكذا، فإن ما يضع النقد الموضوعي أمام المآزق المنهجية الكبرى، هي " صعوبة التمييز بين نصيب المبدع من إبداعه، ونصيب العصر الذي يحتويه. فلقد جرت العادة مثلا أن يدرس الناقد الموضوعي موضوعا معينا أو جملة من الموضوعات عند شاعر أو روائي...الخ. ولكن هذا النقد لا يمكن أن يكتمل إلا إذا عرفنا منزلة هذه الموضوعات من الأدب الذي تنتمي إليه، والعصر الذي يحتويها. فمن الذي يستطيع أن يقدم الدليل مثلا على أن الموضوعات التي يدرسها الناقد عند شاعر معين ليست هي الموضوعات ذاتها عند شاعر آخر؟ ومن الذي يضمن لنا أن هذه الموضوعات الملهمة في الشعر مثلا ليست هي الموضوعات السائدة في تفكير المجتمع الذي ينتمي إليه الشاعر، أو في ذائقة هذا المجتمع خلال مرحلة معينة؟ إذا، فأين تكمن الخصوصية في دراسة هذه الموضوعات عند شاعر ما، إذا لم توضع ضمن خريطة الموضوعات في الأدب الذي تنتمي إليه والعصر الذي يحتويها؟" .    
ويمكن الفصل، في إطار الموضوعية البنيوية، بين الموضوعية المعجمية التي تنطلق في تعريفها للموضوع من قاعدته اللغوية، كما هي لدى العراقي عبد الكريم حسن ، والموضوعية الأدبية لدى الناقد الفرنسي بيير ريشارد (Richard).
هذا، وتعتمد الموضوعاتية البنيوية على مبادئ البنيوية المعروفة، كالمحايثة الداخلية، والوصف السانكروني،  والاعتماد على التفكيك والتركيب، وهذا كله بمثابة مبادئ منهجية عامة، والاستعانة بالإحصاء والعد والتوارد اللفظي والمعجمي والتكرار اللغوي، والتركيز على مفهوم الموضوع، باعتبار هذه الآليات مبادئ  منهجية خاصة.
وإذا كان جان بيير ريشار (Richard) يرى أن الموضوع " مبدأ تنظيمي محسوس" ، فإن عبد الكريم حسن يقول: "إن العائلة  اللغوية هي حد الموضوع" . ولا ننسى أيضا أن هذه الموضوعاتية  تنطلق من مداخل حرة، وتصل إلى مخارج حرة كذلك. ويعني هذا أن الناقد الموضوعي يقتحم العمل الأدبي وفضاءه التخييلي من أي نافذة شاء، ولو كانت ضيقة. وتعتبر هذه الحرية سحرا مثيرا، وميزة إيجابية لهذا النقد الزئبقي الذي يستهين بالضوابط الأكاديمية الدوغماطية المقننة. حتى إن شبكة العلاقات غير مستقرة ولا ثابتة نهائيا عند ريشار (Richard)، بل هي متغيرة. على عكس الموضوعاتية البنيوية التي تلتزم بالضوابط المعيارية،  والتقنين المنهجي، وثبات العلاقات في نسق بنيوي سانكروني. وإذا كانت الموضوعاتية تعتمد على تصنيف الربط بين عناصر العمل الأدبي، فإن تصنيف الموضوعاتية البنيوية تصنيف توليد، يعتمد على الفعل المحرك (Le verbe moteur) والقاعدة اللغوية. فالفرق بين موضوعاتية ريشار (Richard) وموضوعية عبد الكريم حسن، أن موضوعاتية  الأول مضمونية. أي: حديث عن الأفكار والموضوعات في الأدب، بينما موضوعاتية الثاني هي الانتقال من المضامين المختلفة إلى الأشكال الثابتة. أي: ثمة مصالحة بين البنية والتاريخ،  بين التزامن والتزمن، والوصف والتطور.
مصادر المقاربة  الموضوعاتية
تستند المقاربة الموضوعاتية إلى خلفية فلسفية وابتسمولوجية تتمثل في ظاهراتية إدموند هوسرل (1859 – 1938)،  ومجهود الفلاسفة الظاهريين الوجوديين، أمثال: هيدجر، وجان بول سارتر(Sartre)، واستون باشلار (Bachlard). ومن المعلوم أن الظاهراتية، وخصوصا فلسفة هوسول، جاءت رد فعل على النزعتين: المثالية والتجريبية معا (فلسفة الذات والموضوع)،  "والفكرة الأساسية التي يمكن استخلاصها من البعد الفلسفي للنقد الظاهري الموضوعاتي، سواء كان محايثا أم ميتافيزيقيا، هي اعتبار الإبداع عملا يمثل وعي المبدع، وهذا لا يعني نفي الظاهرية للعمليات اللاواعية التي تجري أثناء تنظيم المدركات في الوعي،  وهذه مفارقة ينبغي التنبيه إليها؛ لأنها هي التي تفسر كيف أن النقاد الظاهرين/الموضوعاتيين لجأوا أحيانا إلى التحليل النفسي، أو إلى أحلام اليقظة البدائية العميقة المترسبة في الذات المبدعة وهذا ما فعله " باشلار" (Bachelard). (...).
 وإذا نحن تأملنا تطبيقات المنهج الموضوعاتي/الظاهري، فنجد طغيان الاهتمام بالأفكار باعتبارها مظاهر للوعي عند الكتاب المدروسين، وقد يستفيد النقاد من علم النفس الظاهري، كما فعل جان بيير ريشار "Richard" بشكل خاص"   .
ومن هنا، فإن  للمقاربة الموضوعاتية أسسا فلسفية  تتمثل في الفلسفة الظاهراتية، والفلسفة الوجودية، والفلسفة التأويلية الهرمونيتيكية، وأسسا إبستمولوجية تتجلى في انفتاح المقاربة على علم النفس، وعلم المعجميات، وعلم اللسان، والسيميائيات، والنقد الأدبي، وعلم الجمال، وشعرية التخييل...

3البنيوية:
 تكون النص من بنية كبرى تضم جملة من البُنى .
هي أيضاً مجموعة عناصر ورؤى وأفكار عنيت بالنص والبُنى التي يتألف منها النص وهي تعني أن النص يشكل بنية متكاملة تتألف من جملة من البُنى .وهو بذلك يشكل وحدة موضوعية متكاملة تتألف من جملة من البنى تكون هيكل نصي له عدة أبعاد منها (الإتحاد والتقابل وغيرها) أي أن التركيب يتصل ببنية النص وليس معنى ذلك أنه تركيب ميكانيكي، بل يعني أن النص جملة من البنى اللغوية والتي يكون بينها علاقات من الوحدة والشمولية  التي تشكل بدورها البنية الكلية للنص .
والتركيبية فيها نوع من عزل النص عن مبدعة لأن النص هنا يخضع لرأي الناقد أكثر من خضوعه لرأي المبدع. وبذلك يكون الناقد مبدع جديداً للنص. لتعدد القراءات وتعدد القراء.
والمحلل البنيوي يأخذ كل كلمة ويدرس علاقتها بالجمل الأخرى.
وهناك من يسميها أو البنائية البنيوية والأصح التركيبة لأن هناك البنيوية النفسية والبنيوية الاجتماعية والبنيوية اللغوية.
مثلها مثل جملة من المذاهب وهي وليدة أفكار فردناند د يسو سير مؤسس علم اللغة الحديث. الذي يرى أن.
-  اللغة نظام إنساني اتصالي والكلام نشاط صوتي.
كما عنى دي سوسير باختيار التأليف: مفهوم التقابلية: ويعني أن وجود كل عنصر يعني وجود عنصر آخر يقابله.
الدكتور لطفي عبد البديع أول عربي درس التركيب اللغوي للأدب وألف فيه كتاباً. ويركز على النص كظاهرة لغوية في التركيبية وأن هناك ارتباط بين كلمة وكلمة أخرى قد تحل محلها في النص.
كما قام الفرنسي رولان بات بتطوير التركيب اللغوي للأدب
وتقوم المدرسة التركيبية على.
أن النص يتكون من جملة من البنى وأن للنص بنية كلية وان البنية الكلية تشكل العلم. وأن هناك علاقات أفقية وعلاقات رأسية في النص.
---فلكل نص مفاتيح وعندما يضع الناقد أو القارئ يده على مفاتيح النص ،يعتبر بذلك مبدع جديد للنص لأنه يوضح جوانب جديدة في النص حسب الرؤية التي قرأ من خلالها النص. وكلما تعددت قراءات النص كلما باح لنا النص بمكنونات جديدة، وكل قراءة جديدة للنص هي إبداع جديد له.
والناقد يحاول أن يجد العلاقة بين النص وما جاوره وبين اللفظة وقريبتها أو مرادفتها. (الإبدال التأليفي)
عبد الكريم حسن:
عبد الكريم حسن ناقد سوري ظهر في مطلع الثمانينات بكتابه (الموضوعية البنيوية). ثم وضع كتابه (المنهج الموضوعي) عام 1990. وعرّب (مورفولوجيا القصة) لبروب عام 1996.
وكتابه (الموضوعية البنيوية: دراسة في شعر السيّاب) 1983، رسالة جامعية تقدّم بها الباحث إلى جامعة السوريون عام 1980 تحت إشراف البروفسور اندريه ميكيل.

قراءة في كتاب الموضوعية البنيوية دراسة في شعر السياب انطلاقا من المفاهيم السابقة ومحتوى الكتاب-منقول:

في الفصل الأول يعرّف الباحث بـ " Thématique Structuraleوهو منهج "إشكالي" لأنه يحاول التوفيق بين منهجين نقديين هما: الموضوعية، والبنيوية. وقد أشار الباحث إلى ذلك بقوله: "إننا لم نتلمس خطى منهج محدد سلفاً" (ص 31)، و"تخيّرنا الحل التجريبي" (ص 31)، و"هذا البحث كان نوعاً من المغامرة، ومن طبيعة المغامرة أنها يمكن ألا تفضي إلى شيء" (ص 31).

وبالفعل فإن محاولة الجمع بين منهجين لم تفض إلى تشكيل منهج جديد، إضافة إلى أنه (انحراف) عن المنهج، أم أنه "اجتهاد"؟ لعل الاجتهاد وارد ومشروع لو أن المنهج من صنعنا، ولكنه ما دام من صنع (الآخر) فإن "اجتهادنا" فيه يظل محدوداً.

ولقد عرّف الباحث (الموضوعية) بأنها بحث في (الموضوع) بهدف اكتشاف السجل الكامل للموضوعات. أما (الموضوع) فيعني لديه الاعتماد على قاعدته اللغوية، وليس على دراسة العمل الأدبي. (والموضوع) عنده هو مجموعة المفردات التي تنتمي إلى عائلة لغوية واحدة (ص 31)، وهذا تعريف (الجذر) لا (الموضوع). وهو مأخوذ عن الناقد الفرنسي المعاصر جان بيير ريشار، الأستاذ في جامعة السوريون، والمعروف بتأسيسه المنهج الجذري أو(الثيمي) Thématique والذي عرّف (الموضوع) بأنه مبدأ تنظيمي محسوس، أو دينامية داخلية، أو شيء ثابت يسمح لعالم حوله بالتشكل والامتداد.

كما عرّف الباحث (البنيوية) بأنها الكشف عن (البنية) التي تتشابك فيها هذه الموضوعات (ص 32). ولكنه لم يطمئن إلى "بنيويته" التي لم يطبقها أصلاً في بحثه. فاكتفى بالموضوعية (أو الجذرية)، وهي المنهج الذي ثقفه وتبنّاه، ونسى (البنيوية) أو حرّفها بما يناسب مقاصده، واكتفى بأخذ مقولة واحدة منها هي (القراءة الحلولية)[1]التي تهمل الظروف الخارجية وانعكاساتها على العمل الأدبي.

والواقع أن الباحث اعتمد (المنهج الموضوعاتي) لا (الموضوعي) فأحصى الموضوعات الرئيسية والثانوية لدى السيّاب. و(الموضوع) عنده هو النويّات النصية لظهورات المفردات المكونة للعائلة اللغوية (ص 328). و(العائلة اللغوية) تجمع في داخلها المفردات ذات الجذر اللغوي الواحد (الاشتقاق)، والمترادفات (الترادف)، والمفردات التي ترتبط مع بعضها بصلة معنوية (القرابة اللغوية). فالموضوع الرئيسي هو الذي يحدّد الموضوعات (الثانوية) ويفرزها.

ذلك أن الموضوعات الثانوية ليست أكثر من كواكب صغيرة تنجذب إلى الكوكب الكبير، أو هي أغصان الشجرة التي تنبثق عن الجذع. وبهذا فإن الموضوع الثانوي هو تطوير لجانب من جوانب الموضوع الرئيسي، وهناك كثير من العناصر المشتركة بين الموضوع الرئيسي والموضوعات الثانوية مثال ذلك (التعميم) حيث يعمّم الشاعر مشاعره على الأشياء والطبيعة، فإذا تألم الشاعر تألمت الطبيعة معه، وإذا فرح فرحت معه.

والواقع إن أهم ما تنبغي مناقشته في هذا الكتاب هو (منهجه) النقدي، فقد خلط الباحث فيه بين (الموضوعية) و(الموضوعاتية)، حيث كان ينبغي له أن يسمّي منهجه (موضوعاتياً) لا (موضوعياً)، لأنه اعتمد فيه منهج (جان بيير ريشارد) الجذري (أو الثيمي). أما وصفه لموضوعيته بـ (البنيوية) فهو بعد عن الحقيقة، ولو أنه وصف "موضوعيته" بـ "(الثيمية) أو (الجذرية) لكان أكثر دقة وعلمية. وقد لاحظ البروفيسور (أندريه ميكيل) المشرف على الرسالة، أن البحث كان "مغامرة مآلها الإخفاق" (ص 10) لأن المصالحة بين منهجين هي خروج عليهما، وعدم تأسيس لمنهج جديد، وأن جهد سبع سنوات كان دون طائل ما دام المرء يمكن أن يحصل على النتيجة التي انتهى إليها الباحث خلال ساعات يقرأ فيها الأعمال الشعرية الكاملة للسيّاب (أي الفعل المحّرك) (ص 12).

كما لاحظ البروفيسور (غريماس) عضو لجنة مناقشة الرسالة، أن الباحث استخدم إمكانيات ضخمة أشبه ما تكون بالمدفعية الثقيلة، دون طائل، لأن الطريق التي سلكها ليست طريق الموضوعية الأدبية، وإنما هي طريق الموضوعية المعجمية التي سادت في الخمسينات من هذا القرن. ومن هنا فإن قراءتها مخيّبة للآمال، لأنها تشبه رسائل الدكتوراه التي كانت تقّدم في الخمسينات، منطلقة من فكرة، ثم يقوم الباحث بالإحصاء والسبّر والعدّ لكي يصل في النهاية إلى نفس الفكرة (ص 13 -15). إضافة إلى ذلك فإن الزواج بين (الموضوعية) و(البنيوية) هو غير مشروع: "فعندما تريد أن تستخدم مثل هذه المناهج التي لم تكتمل بعد، فإنه يتوجّب عليك أن تستخدمها بحذر، وأن تتساءل عن الأهداف التي تريد الوصول إليها" (ص 16-17).

كذلك لاحظ البروفيسور (دافيد كوهين) عضو لجنة مناقشة الرسالة، أن الباحث يريد أن يصالح بين (التزمّن) Synchronie و(التزامن) Diachronie، لكن المصالحة بينهما غير ممكنة. إضافة إلى غموض مفهوم (البنية) لديه:

"فهذه البنيوية ليست بنيوية غريماس، وإنما هي بنيوية عبد الكريم حسن" (ص 20 –22).

وعلى الرغم من هذه الردود الجارحة، لأنها كانت صادقة تتوخى وجه الحقيقة العلمية، فإن الباحث قد امتاز بالشجاعة الأدبية، حين أثبتها في مقدمة رسالته. وهي أول رسالة بالعربية يتجرأ صاحبها على عرض سلبيات رسالته.

أما خطوات منهجه فقد كانت:

1-"تكنيس" الأعمال الشعرية الكاملة للسيّاب، بحيث يشمل الإحصاء الأغلبية الساحقة للمفردات. وقد أحصى الباحث ثلاثة آلاف مفردة (أو جذر) دون استعانة بالحاسب الآلي. فلدى إحصاء ظهورات مفردة (أو جذر) (الحب) مثلاً فإن الباحث أحصى صيغها الفعلية والاسمية كلها، وذلك مثل: أحب، يحب، الحبيبة، المحبة.. الخ ثم انتقل إلى مترادفاتها: الهوى، الغرام، الصبابة... الخ، ثم أحصى المفردات ذات القرابة المعنوية معها، مثل: اللثم، القبلة.. الخ.

وهذا يعني أنه أحصى أكثر من ثلاثين ألف كلمة، وأطلق اسم (الظهورات) على الصيغ التي تنتمي إلى مفردة معينة.

2-بعد هذه العملية الإحصائية حدّد (الموضوع الرئيسي) في مرحلة شعرية معينة، وعنى به الموضوع الذي تتردد مفردات عائلته اللغوية بشكل يفوق مفردات العائلات اللغوية الأخرى. وهو الذي يفرز بقية الموضوعات ويولّدها بشكل آلي. متتبعاً في هذا منهج (ريشارد) الذي يقول: "إن الاطرادية هي المقياس في تحديد الموضوعات. وعلى امتداد العمل الأدبي المكتوب فإنه يجب أن تتحدّد العناصر التي تتكرر بشكل ذي دلالة، ثم توضع هذه العناصر في مجموعات أو حقول شاقولية، وعبر حركة تنظيمية شمولية توضع هذه المجموعات في علاقات بعضها مع بعض". وقد تابعه الباحث في تعريفه للموضوع الرئيسي فقال إنه الموضوع الذي تتردّد مفردات عائلته اللغوية بشكل يفوق مفردات العائلات اللغوية الأخرى.

3-يُعنى المنهج، بعد اكتشاف الموضوع الرئيسي، بتحليل المفردات التابعة له بكل ظهوراتها. ويتم ذلك على أساس تحليل كل مفردة على حدة، ثم استخراج النتائج التي قد تكون مهمة جداً في التفريق بين هذه المفردات ووظائفها. وبعد إكمال التحليل الجزئي تتم دراسة الموضوع من خلال استخراج المخطط الكلي الذي ينظّمه. وتحليل الباحث، كما هو عند ريشار، بحث عن المعنى. وهذا البحث وصفي. وإذا كان ريشاد ينتقل بين مستويين: مستوى التحليل، ومستوى مادة التحليل، فكذلك فعل الباحث في نوعين من المعنى: الأول يسميه غريماس: النويّات الذرية للمعنى. وهو معنى ثابت. والثاني يسميه: النويّات النصية للمعنى. وهذا يتغيّر تبعاً لموقفه في النص. وقد أفاد الباحث من النوع الأول في تحديد العائلة اللغوية، ومن الثاني في استخراج المعاني النصيّة لكل مفردة في مواقعها المختلفة.

4-وقد أفضت دراسة الموضوع الرئيسي إلى دراسة الموضوعات الفرعية التي تنبثق عنه. وإلحاح الموضوع الرئيسي على أفكار بعينها هو الذي يحدّد الموضوعات الفرعية. مثال ذلك الموضوع الرئيسي في شعر السيّاب في مرحلته الأولى في ديوانه (البواكير) هو: الحب. وخصوصية هذا الحب فيه هي الإخفاق. والحب المخفق يقود إلى الألم، خصوصاً وأن معظم مفردات الحب في هذا الديوان تشير إلى علاقة الحب بالألم. ولهذا تنبغي دراسة موضوع الألم.

5-وبهذا يصل البحث إلى (شبكة العلاقات الموضوعية) التي تعبّر عن بنية الموضوعات في مرحلة شعرية معينة.

وهي أشبه ما تكون بالشجرة التي يمثّل الموضوع الرئيسي جذعها، وتمثّل الموضوعات الفرعية أغصانها. وقد يتولّد عن هذه الأغصان فروع أصغر، وهكذا...

وقد انتهى الباحث في إحصائه إلى النتائج التالية:

1-في ديوان (البواكير) موضوع الشاعر هو (الحب) لكن الحبيبة لم تكن تبادله الحب. فهو ظامئ إليه يودّ لو يملأ الحبيبة، فإذا به يمتلئ بها. والفراغ العاطفي هو الذي دفعه إلى هذا الحب، ولكن رفضها إياه قاد إلى الفراق ثم إلى الألم. فإذا مفردات السهر والليل والحرمان والموت تكثر في شعره...

2-في ديوان (قيثارة الريح) الحب هو أيضاً الموضوع الذي تدور حوله باقي الموضوعات الشعرية. والسيّاب في هذه المرحلة ليس بأحسن حظاً منه في المرحلة السابقة: فالإخفاق يلاحق حبه، ويشكل السمة الأساسية لهذا الحب الذي تعلّق بـ "هالة"، و(لبيبة)، وغيرهما.

3-في ديوان (أعاصير) و(أزهار وأساطير) يتدخل موضوع جديد هو حب الوطن، ليعكس القضية السياسية الاجتماعية دون أن يتوقف عن اقتراح الحل الناجع لها، وهو (الثورة). لكن (الموت) يظل المرآة التي تنعكس عليها صورة الواقع السياسي والاجتماعي في العراق. والموت هو الأداة التي يسلّطها الطاغية على الشعب. ويتجلّى ذلك في وجه السيد المترف، ووجوه الفلاحين الحزينة، وفي (غادة الريف) التي جاء بها الأغنياء من الريف، ليتاجروا بها، هي وغيرها، يشترونهن، ثم يتمتعون بهن قليلاً، ويلقون بهن، وثمرة فسادهم في أحشائهن، ليلاقين قدرهن المحتوم:

الموت. صور عديدة تجسّد الظلم، يعرضها الشاعر. وقد انتهت به إلى وضع العلاج المناسب الذي تمثّل في (الثورة) على الطغاة أعداء الحياة. فهو يبشر بالثورة، ويهدّد بها الظالمين.

4-في ديوان (أنشودة المطر) الموضوع الرئيسي هو (الموت) والتعبير به عن القضية السياسية والاجتماعية، على كافة الأصعدة: الوطنية، والعربية، والإنسانية.. فعلى الصعيد الوطني تبدو المدينة مومساً تستهلكها السلطة الطاغية وتستترف دمها. وعلى المستوى العربي تتبادر صورة اللاجئ الفلسطيني، وبور سعيد الجريحة، وعلى المستوى الإنساني يصوّر الغرب وحشاً يحمل الدمار إلى الشعوب، مقابل صورة الشرق المسالم الوديع.

ولأول مرة يوظف السيّاب (الأسطورة) في شعره. فيعمد إلى (عشتار) آلهة الخصب في الديانات الرافدية، داعياً إياها و(تموز) إلى إنقاذ المدينة من براثن الجوع والحرمان والجفاف الذي عمّ العراق. والموضوع الرئيسي الثاني الذي عالجه الشاعر هو (الثورة المخفقة). وقد عاد الشاعر إلى التاريخ العربي، فأدهشته المفارقة بين صورة الماضي المجيد والحاضر البائس. وإذا كان من بعث وحياة بعد هذا الموت في الحياة، فهو بعث كاذب حتماً.

5-في ديوان (المعبد الغريق) تسيطر صورة (الموت) موضوعاً رئيسياً، ومحوراً تستند إليه شبكة العلاقات الموضوعية. وتتسع دائرة الموت حتى تشمل العراق والوطن العربي كله والمشرق بأجمعه. هذا الموت الموضوعي الذي يظهر في صور فساد الحاضر، تقابله صورة أخرى للموت هي الموت الذاتي، حيث دخل الشاعر في علاقة مباشرة معه، حين اشتد به المرض، فصار يرى الموت خلاصَ من الألم والعذاب.

6-في ديوان (منزل الأقنان) يستبّد الموت أيضاً به، ويشكل موضوعه الرئيسي: فالشاعر يعاني من ألم المرض وعذابه، في بيروت ولندن والعراق، ويصارع الموت بسيف الشعر المفلول، دون جدوى.

7-في ديوان (شناشيل ابنة الجلبي) يشكل الموت –أيضاً –الموضوع الرئيسي لشعر الشاعر.






[1] و(القراءة الموضوعاتية) هي قراءة (حلولية). لأن (النقد الموضوعاتي) هو بالأصل (نقد حلولي)، ينفي الإحالة إلى أي مصدر خارجي اجتماعي أو تاريخي، كما ينفي الإحالة إلى الكاتب الذي يفيض عنه العمل الأدبي. فالكاتب موجود خارج العمل المنقود. وهذا يعني قدرة العمل على أن يخلق خالقه، أكثر مما يخلقه خالقه.‏

0 التعليقات:

إرسال تعليق