عروض الشعر
العروض: "علم يُبْحث فيه عن أحوال الأوزان المعتبرة" أو "هو ميزان الشعر، به يعرف مكسوره من موزونه، كما أن النحو معيار الكلام به يعرف معربه من ملحونه".
ويرجع رجال التراجم الفضل في نشأة علم العروض إلى الخليل بن أحمد، أحد أئمة اللغة والأدب في القرن الثاني الهجري، فابن خلكان يذكر أن الخليل كان إمامًا في علم النحو، وأنه هو الذي استنبط علم العروض وأخرجه إلى الوجود وحصر أقسامه في خمس دوائر يستخرج منها خمسة عشر بحرًا، ثم زاد الأخفش بحرًا واحدًا وسماه الخبب، كما يذكر أن الخليل كان له معرفة بالإيقاع والنغم، وتلك المعرفة أحدثت له علم العروض، فإنهما متقاربان في المأخذ
الحاجة إلى علم العروض:
عرفنا أن العروض هو علم ميزان الشعر أو موسيقى الشعر، وهو علم له قواعده وأصوله ونظرياته التي تحصل وتكتسب بالتعلم، وإذا كان الشعر من الناحية العملية هو الجانب التطبيقي لقواعد العروض وأصوله ونظرياته، فإنه قبل ذلك فن كسائر الفنون مصدره الموهبة والاستعداد.
وقد يستطيع الشاعر الموهوب بما له من أذن موسيقية وحس وذوق مرهفين أن يقول الشعر دون علم بالعروض وحاجة إلى قوانينه، ولكنه مع ذلك يظل بحاجة إلى دراسة علم العروض والإلمام بأصوله.
فأذن الشاعر الموسيقية -مهما كانت درجة رهافتها وحساسيتها-قد تخذل صاحبها أحيانًا في التمييز بين الأوزان المتقاربة أو بين قافية سليمة وأخرى معيبة، أو بين زحاف جائز وآخر غير جائز.
وجهل الشاعر الموهوب بأوزان الشعر وبحوره المختلفة من تامة ومجزوءة ومشطورة ومنهوكة قد يحصر شعره في بعض أوزان خاصة، وبذلك يحرم نفسه من العزف على أوتار شتى تجعل شعره منوع الأنغام والألحان من ذلك تتجلى أهمية دراسة الشاعر للعروض والإلمام بقوانينه وأصوله.
الصلة بين العروض والموسيقى:
عرفنا أن العروض هو علم موسيقى الشعر، وعلى ذلك يكون هناك صلة تجمع بينه وبين الموسيقى بصفة عامة، وهذه الصلة تتمثل في الجانب الصوتي.
فالموسيقى تقوم على تقسيم الجمل إلى مقاطع صوتية تختلف طولاً وقصرًا، أو إلى وحدات صوتية معينة على نسق معين، بغض النظر عن بداية الكلمات ونهايتها.
وكذلك شأن العروض، فالبيت من الشعر يقسم إلى وحدات صوتية معينة، أو إلى مقاطع صوتية تعرف بالتفاعيل بقطع النظر عن بداية الكلمات ونهايتها. فقد ينتهي المقطع الصوتي أو التفعيلة في آخر كلمة، وقد ينتهي في وسطها، وقد يبدأ من نهاية كلمة وينتهي ببدء الكلمة التي تليها.
مثال على ذلك:
لا تسألي القوم ما مالي وما حسبي ... وسائلي للقوم ما حزمي وما خلقي
فتقطيع هذا البيت أو تقسيمه إلى وحدات صوتية أو تفاعيل يكون كالآتي:
لا تَسْأَلِلْ قَومَ مَا مَالِي َمَاحَسَبِي ... مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
وَسَائِلِلْ قَومَ ما حَزْمِي وَمَا خُلُقِي ... متفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
ولكن تقطيع البيت أو تقسيمه إلى وحدات صوتية أو تفاعيل لا يتحقق إلا إذا كتب الشعر كتابة عروضية فما الكتابة العروضية؟
الكتابة العروضية:
وإذا كان للموسيقى عند كتابتها رموز خاصة يدل بها على الأنغام المختلفة، فإن للعروض كذلك رموزًا خاصة به في الكتابة تخالف الكتابة الإملائية التي تكون على حسب قواعد الإملاء المتعارف عليها. وهذه الرموز العروضية يدل بها على التفاعيل التي هي بمثابة أنغام الموسيقي المختلفة. والكتابة العروضية تقوم على أمرين أساسيين هما:
1 ما ينطق يكتب.
2 ما لا ينطق لا يكتب.
وتحقيق هذين الأمرين عند الكتابة العروضية يستلزم زيادة بعض أحرف لا تكتب إملائيًا وحذف بعض أحرف تكتب إملائيًا. وفيما يلي تفصيل للأحرف التي تزاد أوتحذف في الكتابة العروضية:
أ- الحروف التي تزاد:
تزاد في الكتابة العروضية ستة أحرف هي:
1 إذا كان الحرف مشددًا فك التشديد ورسم الحرف أو كتب مرتين: مرة ساكنًا ومرة متحركًا، نحو: رق، وعد، وهز، فتكتب عروضيًّا: رقق، وعدد، وهزز.
2 إذا كان الحرف منونًا كتب التنوين نونًا، نحو: جبل، وشجر، وأسد، فتكتب عروضيًّا: جبلن، وشجرن، وأسدن، رفعًا ونصبًا وجرًّا.
3 تزاد ألف في بعض أسماء الإشارة، نحو: هذا، وهذه، وهذان، وهذين، وهؤلاء، وذلك، فتكتب عروضيًّا: هاذا، وهاذه، وهاذان، وهاذين، وهاؤلاء، وذالك. كذلك تزاد ألف في لفظ الجلالة، وفي لكن المخففة والمشددة، فهذه الكلمات: الله، ولكن، ولكن، تكتب عروضيًّا هكذا: اللاه، ولاكن، ولاكنن.
4 تزاد واو في بعض الأسماء كما في: داود، وطاوس، وناوس، فتكتب عروضيًّا: داوود، وطاووس، وناووس.
5 تكتب حركة حرف القافية حرفًا مجانسًا للحركة، فإذا كانت حركة حرف القافية ضمة كتبت هذه الضمة عروضيًّا واوًا، وإذا كانت كسرة كتبت ياء، وإذا كانت فتحة كتبت ألفًا.
6 إذا أشبعت حركة هاء الضمير للمفرد المذكر الغائب، كتبت
حرفًا مجانسًا للحركة. فالضمة التي على الهاء في: له، ومنه، وعنه، إذا أشبعت كتبت عروضيًّا واوًا هكذا: لهو، ومنهو، وعنهو.
وكسرة الهاء في: به وإليه، وفيه، إذا أشبعت كتبت عروضيًّا هكذا: بهي، وإليهي، وفيهي.
أما كاف المخاطب أو المخاطبة فلا تشبع، وبالتالي لا يزاد بعدها أي حرف، نحو: بك، وبكِ، ومنك ومنكِ، وإليك وإليكِ.
ب-الأحرف التي تحذف:
1 تحذف همزة الوصل، وهي الألف التي يتوصل بها إلى النطق بالساكن، إن كان قبلها متحرك. ويكون ذلك في:
أ-ماضي الأفعال الخماسية والسداسية المبدوءة بالهمزة، وفي أمرها ومصدرها، نحو: انْطَلَق، استغْفَر، انطلِق، استغفِر، انطلاق، استغفار. فألف الوصل في هذه الكلمات وأمثالها تحذف إن كان قبلها متحرك عند الكتابة العروضية هكذا: فنطلَق، فستغفَر، فنطلِق فستغفِر، فنطلاق، فستغفار.
ب-الأسماء العشرة المسموعة وهي: اسم، ابن، ابنة، امرؤ، امرأة، اثنان، اثنتان، أيمن المختصة بالقسم، است.
فمثلاً: باسمك، وهذا أب وابن، والعام اثنا عشر شهرًا، تكتب عروضيًّا هكذا: بسمك، وهاذا أبن وبنن، والعام ثنا عشر شهرن.
ج-أمر الفعل الثلاثي الساكن ثاني مضارعه، نحو: فاسمع واكتب واقرأ، فإنها تكتب عروضيًّا هكذا: فسمعْ، وكتبْ، وقرأْ.
د- ألف الوصل من أل المعرفة. فإذا كانت أل قمرية، كما
في القمر، والورد، اكتفى بحذف الألف فقط، فجمل مثل: طلع القمر، وتفتح الورد، تكتب عروضيًّا هكذا: طلع لقمر، وتفتْتَح لورد.
أما إذا كانت أل شمسية، كما في الشمس والنهر، فإن ألفها تحذف أيضًا وتقلب اللام حرفًا من جنس الحرف الأول في الاسم الداخلة عليه أل فجمل مثل: تشرق الشمس، ويفيض النهر، تكتب عروضيًّا هكذا: تشرق ششمس، ويفيض ننهر.
2 تحذف واو عمرو رفعًا وجرًا.
3 تحذف الياء والألف من أواخر حروف الجر المعتلة وهي: في، إلى، على، عندما يليها ساكن؛ فتراكيب مثل: في البيت، إلى الجامعة، على الجبل، تكتب عروضيًّا هكذا: فلبيت، إللجامعة، عللجبل، ولا تحذف الياء أو الألف من هذه الحروف إذا وليها متحرك نحو: في بيت، وإلى جامعة، وعلى جبل.
4 تحذف ياء المنقوص وألف المقصور غير المنونين عندما يليهما ساكن نحو: المحامي القدير، والنادي الكبير، والفتى الغريب، والندى الرطب، فهذه تكتب عروضيًّا هكذا: المحاملقدير، وننادلكبير، ولفتلغريب، ونندررطب.
أمثلة للكتابة العروضية:
المثال الأول من بحر الوافر، وهو من قصيدة لشوقي في دمشق:
دخلتك والأصيل له ائتلاق ... ووجهك ضاحك البسمات طلق
ووزنه هو:
مفاعلتن مفاعلتن فعولن ... مفاعلتن مفاعلتن فعولن
المقاطع العروضية:
يتألف المقطع العروضي من حرفين على الأقل وقد يزيد إلى خمسة أحرف والعروضيون يقسمون التفاعيل التي تتكون منها أوزان الشعر إلى مقاطع تختلف في عدد حروفها وحركاتها وسكناتها. وفيما يلي تفصيل هذه المقاطع:
1 السبب الخفيف : وهو يتألف من حرفين أولهما متحرك وثانيهما ساكن نحو : لم - عن - قد - بل - كم - إن – هل ورمزه العروضي : /0
2 السبب الثقيل: وهو ما يتألف من حرفين متحركين، نحو: لك، بك، ويع، ويف من: لم يع، ولم يف. ورمزه العروضي://
3 الوتد المجموع : وهو ما يتألف من ثلاثة أحرف، أولها وثانيها متحركان والثالث ساكن، نحو : إلى، على، نعم، مضى. ورمزه العروضي: //0
4 الوتد المفروق: وهو ما يتألف من ثلاثة أحرف، أولها متحرك وثانيها ساكن وثالثها متحرك، نحو: أين، قام، ليس، سوف، حيث، لان، بين. ورمزه العروضي: /0/
5 الفاصلة الصغرى: وهي ما تتألف من أربعة أحرف، الثلاثة الأولى منها متحركة والرابع ساكن، نحو: لعبت، وفرحت وضحكت، بسكون التاء في الأفعال الثلاثة، ونحو: ذهبا ورجعا، وذهبوا ورجعوا. ورمزها العروضي: ///0
6 الفاصلة الكبرى: وهي ما تتألف من خمسة أحرف، الأربعة الأولى منها متحركة والخامس ساكن، نحو: غمرنا، من قولك غمرنا فلان بعطفه، ونحو: شجرة، وثمرة، وحركة، وبركة، بتنوين التاء في كل منها. ورمزها العروضي: ////0
وإذا تأملنا الفاصلة الصغرى والفاصلة الكبرى، وجدنا أن كلتيهما تتألف من مقطعين؛ فالفاصلة الصغرى تتألف من سبب ثقيل وآخر خفيف، على حين تتألف الفاصلة الكبرى من سبب ثقيل ووتد مجموع.
التفاعيل:
عرفنا أن تفاعيل العروض تتألف من مقاطع، وهذه التفاعيل لا تقل عادة عن مقطعين ولا تزيد عن ثلاثة مقاطع، فمثلاً:
فعولن: تتكون من مقطعين، أولهما وتد مجموع وثانيهما سبب خفيف. ورمزها العروضي: //0/0.
ومفاعيلن: تتكون من ثلاثة مقاطع، أولها وتد مجموع، وكل من الثاني والثالث سبب خفيف.ورمزها العروضي: //0/0/0.
وإذا رمزنا إلى الحرف المتحرك بألف صغيرة، وإلى الحرف الساكن بدائرة صغيرة، وشئنا أن ننقل كلاً من: فعولن ومفاعيلن من لغة الألفاظ إلى لغة الرموز، فإن فعولن بلغة الرموز تصبح: //0/0، كما تصبح مفاعيلن بلغة الرموز: //0/0/0.
عدد التفاعيل:
ويبلغ عدد التفاعيل العروضية التي اخترعها الخليل عشر تفاعيل كالآتي:
أ- اثنتان خماسيتان وهما:
فاعلن: /0//0: وتتكون من سبب خفيف ووتد مجموع.
فعولن: //0/0: وتتكون من وتد مجموع وسبب خفيف.
ب-وثمانية سباعية وهي:
مفاعيلن: //0/0/0: وتتكون من وتد مجموع وسببين خفيفين.
مستفعلن: /0/0//0: وتتكون من سببين خفيفين ووتد مجموع.
مفاعلتن: //0///0: وتتكون من وتد مجموع وفاصلة صغرى.
متفاعلن: ///0//0: وتتكون من فاصلة صغرى ووتد مجموع.
مفعولات: /0/0/0/: وتتكون من سببين خفيفين ووتد مفروق.
فاع لاتن: /0//0/0: وتتكون من وتد مفروق وسببين خفيفين.
مستفع لن: /0/0//0: وتتكون من سبب خفيف فوتد مفروق فسبب خفيف.
فاعلاتن: /0//0/0: وتتكون من سبب خفيف فوتد مجموع فسبب خفيف.
ومع التشابه في النطق بين مستفعلن المتصلة، ومستفع لن المنفصلة، وفاعلاتن المتصلة، وفاع لاتن المنفصلة، فإن كان زوج منها يختلف في وبإعادة النظر في هذه التفعيلات العشرة من حيث مقاطعها وبغض النظر عن صورها تتجلى لنا حقيقة مهمة هي:
-1إن فعولن عكسها فاعلن
-2وإن مفاعيلن عكسها مستفعلن
-3وإن مفاعلتن عكسها متفاعلن
4-وإن مفعولات عكسها فاع لاتن
ومعنى ذلك أن ثماني تفعيلات من التفعيلات العشر هي في حقيقة أمرها أربع تفعيلات فقط ثم صارت بتوليد عكسها ثمانية. فإذا سلمنا بذلك صح القول بأن الخليل بن أحمد عند وضعه لعلم العروض قد اهتدى إلى ست تفعيلات فقط هي: فعولن، مفاعيلن، مفاعلتن، مفعولات، فاعلاتن، مستفع لن، ومن التفعيلات الأربعة الأولى وعكسها بالإضافة إلى الاثنتين الأخيرتين فاعلاتن ومستفع لن تم له اختراع التفعيلات العشرة.
وهكذا استطاع الخليل بن أحمد باختراع ست تفعيلات وعكس أربع منها أن يخترع أوزانه الخمسة عشر للشعر، والتي سنتكلم عنها بالتفصيل.
ويجدر بنا ونحن في معرض الحديث عن التفعيلات أن نذكر أن هذه التفعيلات لا تبقى على حال أو صورة واحدة في البحور التي تتألف منها، وإنما يعتريها التغيير بالحذف أو الزيادة أو تسكين المتحرك منها.
وهذا التغيير الذي يطرأ عليها بالحذف أو الزيادة، أو تسكين المتحرك له اصطلاح خاص في العروض يعرف به، وهذا الاصطلاح يسمى: الزحاف.
مفاتيح البحور
ونورد فيما يلي أبياتًا نظمت كمفاتيح للبحور يستطيع الدارس بها أن يتذكر دائمًا أوزان البحور. ويلاحظ هنا أن الشطر الأول من كل بيت يشتمل على اسم البحر، وأن الشطر الثاني منه يشتمل على تفعيلات البحر.
1 الطويل :
طويل له دون البحور فضائل ... فعولن مفاعيلن فعولن فاعلن
2 المديد:
لمديد الشعر عندي صفات ... فاعلاتن فاعلن فاعلاتن
3 البسيط:
إن البسيط لديه يبسط الأمل ... مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
4 الوافر:
بحور الشعر وافرها جميل ... مفاعلتن مفاعلتن فعولن
5 الكامل:
كمل الجمال من البحور الكامل ... متفاعلن متفاعلن متفاعلن
6 الهزج:
على الأهزاج تسهيل ... مفاعيلن مفاعيلن
7 الرجز:
في أبحر الأرجاز بحر يسهل ... مستفعلن مستفعلن مستفعلن
8 الرمل:
رمل الأبحر يرويه الثقات ... فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
9 السريع:
بحر سريع ما له ساحل ... مستفعلن مستفعلن فاعلن
10 المنسرح:
منسرح فيه يضرب المثل ... مستفعلن مفعلاتُ مفتعلن
11 الخفيف:
يا خفيفًا خفت به الحركات ... فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن
12 المضارع:
تعد المضاراعات ... مفاعيل فاع لاتن
13 المقتضب:
اقتضب كما سألوا ... مفعلاتُ مفتعلن
14 المجتث:
إن جثت الحركات ... مستفع لن فاعلاتن
15 المتقارب:
عن المتقارب قال الخليل ... فعولن فعولن فعولن فعولن
16 المتدارَك، ويقال له أيضًا الخبب والمحدث:
حركات المحدث تنتقل ... فعلن فعلن فعلن فعلن[1]
[1] التفعيلة التي يتألف منها هذا البحر هي في الأصل "فاعلن"، وقد سبق القول على أنها لا ترد في المتدارك التام صحيحة، وإنما الغالب ورودها فيه مخبونة أي "فعِلن" بتحريك العين أو مشعثة؛ أي "فعْلن" بسكون العين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق