الخميس، 5 نوفمبر 2015

التطبيق الأول: مقالات في النقد


* مقدمة :
اسم الكتـــاب (ما هو الأدب؟)، مؤلفه الكاتب المسرحي الراحل الدكتور رشاد رشدي، وقد أهدى الكتاب لزوجته الدكتور لطيفة الزيات، رحم الله الجميع ..
تأملوا معي بساطة العبارة ونصوع الرؤية رغم أن الدكتور رشاد رشدي كان يرفع شعار " الفن للفن " في مواجهة نقاد كبار آخرين كانوا يرفعون شعار " الفن للمجتمع " لكن هذا لا يمنعنا من الإعجاب بلغة الكاتب أبدا، وبساطة مفرداته وعمق معالجته لموضوعه في آن ..وهاكم مقتطفات من" الكتاب المعلم " كما أراه كذلك:
* البلاغة ـ وفقا للنقد الجديد ـ ليست في صدق الإحساس أو في صدق التعبير أو جمال الأسلوب وإفصاحه عن شخصيات الكاتب ، بل ـ كما يقول ـ إليوت في أن يخلق الكاتب معادلا موضوعيا للإحساس الذي يرغب في التعبير عنه ، أو بعبارة أخرى أن يخلق الكاتب شيئا يجسم الاحساس ويعادله معادلة كاملة فلا يزيد أو ينقص عنه ، حتى إذا ما اكتمل خلق هذا الشيء ، أو هذا المعادل الموضوعي ، أستطاع أن يثير في القارئ الإحساس الذي يهدف إلى إثارته.
* من مقاييس البلاغة في النقد الجديد أيضا ما أجمع النقاد على تسميته بالمعنى الكلي للعمل الفني ، فمعنى القصة أو القصيدة لا يستمد من جزء من أجزائها أو من عنصر من عناصرها منفردا عن بقية العناصر بل من القصيدة أو القصة بأجمعها ، ككل له كيانه المستقل الذي يعتمد على نسيجها وتركيبها والعلاقات المختلفة القائمة بين النسيج والتركيب وبين العناصر المتباينة التي تتألف منها القصة أو القصيدة ، كالعصور والشخصيات والأوصاف والحوار والمواقف والحوادث والأفكار والرؤى ، وكلها عناصر وظيفية يتضامن بعضها مع البعض في التعبير عن الإحساس الذي يريد الكاتب نقله إلى القارئ .
* اللغة كرمز يجب أن تكون قريبة من الشيء الذي ترمز إليه حتى تطابقه مطابقة تامة ، فلا يجوز مثلا أن ترمز إلى تفكير أو إحساس رجل مصري في النصف الثاني من القرن العشرين بلغة عربية فصحى كما يفعل معظم كتابنا ، فاللغة في هذه الحالة تولد الإحساس بدلا من أن ترمز إليه ، وليس هذا من البلاغة أو الأدب في شيء .
* وقد ظلت فكرة أن الأدب تعبير عن شخصية الكاتب أو بيئته عالقة بأذهان الناس طوال الحركة الرومانتيكية إلى أن جاء الفيلسوف الإيطالي ( بندتيو كروتشي ) في أوائل هذا القرن فأثبت أن الأدب إحساس ، وأن الخلق الأدبي يحتم أن ينتقل هذا الإحساس من الذاتية إلى الموضوعية أو الشيئية ، فالقصيدة كالصورة ليس من المفروض أن نرى فيها ملامح الرسام واختلاجات نفسه ، بل ملامح منظر أو شيء معين تتفاعل فيها الظلال والألوان والنسب والأبعاد لتثير في النفس إحساسا معينا يريد الفنان إثارته .
* فالأدب ليس في إطلاق المشاعر بل هو هروب منها كما أنه ليس تعبيرا عن الشخصية بل تحررا منها . والكاتب لا يفتأ يتنازل عن نفسه كما هي في اللحظة القائمة إلى شيء أثمن منها وأقيم ، ومن ثم كان تطور الكاتب تضحية بالذات لا تنقطع وانعداما مستمرا لشخصيته.
* نضوج العقل الخالق يصور لنا قصة النضال بين الكاتب وذاتيته فكلما ازداد انفصال الفنان عن ذاتيته كلما دل ذلك على قدرته الفـــنية . لأن القدرة الفنية أو ال technique هي التي تمكن الكاتب من أن ينفصل نفسه عن مادته ويكتشف بذلك معناها ويحدد قيمتها .
* قلت أن العمل الأدبي يصور الحياة ، ولكنه ليس صورة لها .. فالعمل الأدبي لا يمكن أن يكون إلا صورة لنفسه فقط ، بمعنى أنه لا يمكن أن يزودنا بشيء خارج عن نطاقه ، لأن قيمة العمل الأدبي ليست فيما يمدنا به من معلومات أو خبرات مطلقة بل في الأثر المعين الذي يحدثه في نفوسنا كما هو ـ كاملا محدودا ـ كما خلقه الفنان .. وليس هناك من شك في أن الحياة هي الأصل الذي نشأ عنه العمل الأدبي كما هي الأصل في كل شيء آخر ، ولكن عناصر الحياة بما فيها من مشاعر وخبرات مختلفة خلق منها الفنان العمل الأدبي لا تبقى بعد عملية الخلق الفني كما كانت ، بل تمتزج امتزاجا من شأنه أن يحيلها إلى شيء يختلف في طبيعته وفي أثره علينا عن نفس هذه العناصر كما نعرفها في الحياة .
* ليست الواقعية في أن تصور ما حدث ، بل ما يمكن أن يحتمل حدوثه لا حسب منطق الحياة كما نعرفها ، بل حسب منطق الحياة في القصة نفسها .. وهذا هو الفرق بين الحقيقة التاريخية والحقيقة الفنية .
* النقد ليس تعبيرا عما يحب الناقد أو يكره .. وهو ليس كذلك تصويرا لانطباعاته و أحاسيسه ، فالناقد من أصحاب المدرسة الجديدة موضوعي كالعالم ، وهو لايقيس الأعمال الأدبية طبقا لقواعد موضوعة بل للقوانين الأدبية التي يستخلصها من دراسته لهذه الأعمال عن طريق الاستقراء ، تماما كما يستخلص العالم قوانين الطبيعة من دراسته للظواهر الطبيعية.
كما ينبغي العالم دائما غرضا معينا من وراء البحث العلمي ، كذلك الناقد الجديد الذي يهدف دائما إلى غاية محددة ، وهي أن يرى العمل الأدبي كما هو على حقيقته .

…………………………………

المصدر : د. رشــــــاد رشـــــــــدي ، ما هو الأدب؟ ، مكتبة الأنجلو المصرية ،99 صفحة من القطع الصغير ، بدون تاريخ إصــــدار ، لكن تقديم المؤلف لكتـــــابه في الصفحات الداخلية يشير إلى مايو 1960.

0 التعليقات:

إرسال تعليق