الأحد، 25 أكتوبر 2015

المحاضرة 01 من نقد الشعر

بسم الله الرحمن الرحيم
النقد
المحاضرة 01: النــــــــــــــــقـد:
لغة:
النقد هو اختلاس النظر مع المداومة، وضرب بالإصبع ونقر، والنقد: الحاضر دون المؤجل (النسيئة) وناقدت فلانًا إذا ناقشته، والنقد: الوزن والجودة، والنقد: العيب، والنقد: دراهم أو ما هو من جنسها، والنقد: إخراج الزيف، والتقشر أو إبراز الشيء وبروزه، ونقد الكلام.. على قائله، وتمييز الجيد من الرديء.
مما تقدم يتبين أن فضاء النقد في اللغة العربية أوسع من سياقاته القديمة، ويمكن الإفادة من هذا المفهوم في سياق معاني النقد والعملية النقدية.
 اصطلاحًا:
يمكن تعريف النقد من خلال وظيفته.. ويمكن تعريفه بأداته.. وهناك من يزعم أن ليس للنقد تعريف، فيقول: بما أنّ النقد يتسلَّط على الأدب، والأدب يتسلط على الحياة، والحياة متغيّرة لا يحدّها حدود، ولا تقيّدها قيود، فليس عندنا تعريف للأدب ومقتضى ذلك أنّه لا تعريف للنقد1 ‍فمثلًا: النقد هو تمييز الجيد من الرديء، هذه وظيفة من وظائف النقد، وليست تحديدًا له.  ويمكن تعريف النقد من خلال الوسيلة: النقد تحليل وتفسيرٌ، والتحليل والتفسير وسائل للوصول إلى جوهر النص وحقيقته الأدبية والفنية.
ومن قراءاتٍ عديدةٍ لتعريفات كثيرة يتوصل إلى تعريفٍ للنقد، مؤداه:
النقد: هو موقف من النص الأدبي يقوم على رؤيةٍ كونيةٍ ونظريةٍ نقديةٍ تحلل العمل الأدبي، وتفسّره، وتكشف عن وظائفه وقيمته.. فمن التعريف تبرز مقومات النقد وهي: الموقف والرؤية الكونية، والنظرية النقدية وتحليل النص الأدبي، وما يوجبه حضور كلٍّ منها. إذًا النقد هو أولًا: ناقد يتسلح بمقومات العملية النقدية، والناقد من موجبات الموقف، وثانيًا: نص أدبي، والنص يوجب المبدع، وثالثًا: موقف من هذا النص الأدبي، ورابعًا: رؤية كونية ونظرية نقدية من موجبات الموقف والنص معاً، وهي عناصر ملتئمة لا ينفصل بعضها من بعض إلا في التجريد الذهني والتعليم المدرسي.
تاريخ النقد
في الأدب اليوناني كانت الملاحظات النقدية قائمة على الذوق الساذج دون أن تكون هناك أصول نقدية مقررة يرجع إليها النقاد ثم جاء عهد تدوين الإلياذة والأوديسا بإشارة سولون فكان وسيلة للنقد والتحقيق والتمحيص.
فلما كان القرن الخامس قبل الميلاد وقد وجد الشعر التمثيلي واستقر في أثينا ترقى النقد الأدبي ومكن الشعراء من أن يتناولوه بطريقة أشمل وأعمق ما دام الشعر التمثيلي نقداً للحياة وتقويماً لشؤونها فوجد المجال لاتساع النقد والتعمق في جوانبه.
ثم ظهرت آراء ونظريات فلسفية أثارت الشك في الوثنية وفيما ورثة اليونان من أفكار فظهر جيل جديد ينكر سابقه واشتد التناكر بين جيلي القرن الخامس قبل الميلاد حتى أثمر طائفة المجددين في الأدب أيضا وخاصة في المآسي. وكتبت قصص نقدية تنعي الأقدمين ومذاهبهم في فهم التمثيل وأساليبه وعباراته ومنها قصة (الضفادع) لارستوفان. التي ظهرت سنه 406 قبل الميلاد والتي تشبهها رسالة الغفران للمعري.
وبجانب هذا النقد الذي نهض بين القدماء والمجددين من أدباء اليونان السابقين وجد نوع آخر كان له الحظ من الازدهار وهو النقد عند الفلاسفة عاشت عليه آداب اليونان والرومان وأثر في الأدب العربي القديم والأدب الأوروبي الحديث.
أما الأدب العربي فقد نشأ في الجاهلية وكان عبارة عن ملاحظات على الشعر والشعراء قوامها الذوق الطبيعي، وقد مكن له تنافس الشعراء واجتماعهم في الأسواق وأبواب الملوك والرؤساء وكان النقد يتناول اللفظ والمعنى الجزئي المفرد ويعتمد على الانفعال والتأثر دون أن تكون هناك قواعد مدونة يرجع إليها النقاد في الشرح والتعليل. وينتهي إلى بيان قيمة الشعر ومكانة الشاعر.
فلما تقدم القرن الأول قويت نهضة الشعر وتعددت البيئات والمذاهب الشعرية. وامتد النقد للنقد الجاهلي من حيث اعتماده على الذوق والسليقة.
وكان يدور حول فحول الشعراء كجرير والفرزدق والأخطل وذي الرمة وشعراء الغزل البادين والحاضرين كجميل وكثير ونصيب وعمر بن ربيعة وشعراء وبجانب هذا النوع الفني وجد نقد آخر لغوي نحوي نهض به اللغويون والنحاة من علماء البصرة والكوفة خاصة. ويقوم على الصلة بين الأدب وأصول النحو واللغة والعروض.
وفي القرن الرابع بلغ الشعر العربي ذروته وبلغ النقد القديم فيه غايته سواء من جهة شموله وسعته أم من حيث جهة عمقه ودقته أو من حيث جهة براءته من الحدود الفلسفية إلى درجة واضحة. وذلك لتفرد النقاد الأدباء بهذا الفن ونضج ملكة الذوق عندهم من كثرة ما درسوا وكان نقدهم ممتازاً بالعمق وسعة الآفاق وتحليل الظواهر الأدبية وإرجاعها إلى أصولها الصحيحة وكسب النقد مؤلفات رائعة وعديدة منها:
- الموازنة بين الطائيين- للآمدي
- أخبار أبي تمام – للصولي
- عيار الشعر – لأبن طباطبا
- والوساطة بين المتنبي وخصومه – للقاضي الجرجاني
- وكتاب الصناعتين – لابي هلال العسكري
- والعمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده- لابن رشيق القيرواني
- والمثل السائر في أدب الكاتب والشاعر – لأبن الأثير.
- الشعر والشعراء لابن قتيبة
- نقد الشعر لقدامة بن جعفر
-اﻟﺒﺪﻳﻊ ﰲ ﻧﻘﺪ اﻟﺸﻌﺮ أﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ ﻣﻨﻘﺬ.
وفي عصرنا الحديث:
- أهم كتب ناقشت الشعر والشعراء كتاب تاريخ النقد والبلاغة لمحمد زغلول سلام
وجابر عصفور في الصورة الادبية في التراث النقدي وقراءة في التراث النقدي
وابراهيم عبد الرحمن تاريخ النقد القديم وكذا لطفي عبد البديع وطه احمد ابراهيم في تاريخ النقد.
- والشعر الجاهلي لطه حسين.
- نمط صعب ونمط مخيف لمحمود شاكر
- المرآيا المقعرة والمرآيا المحدبة  لعبد العزيز حمودة.
اتجاهات النقد الحديث
يمتاز النقد الأدبي الحديث عن القديم بسعة مجاله وتعدد قضاياه وتنوعها
1-الاتجاه الفني:
وهذا الاتجاه يسعى إلى دراسة التركيبة الفنية والعناصر الفنية للنص ويجعل من العناصر الأخرى كالعناصر التاريخية والنفسية مجرد وسائل يستعين بها.
والاتجاه الفني اتجاه لا يمكن للاتجاهات الأخرى في النص أن تستغني عنه . ولا يمكن أن يدرس الأدب بدون الاتجاه الفني وعندما يغفل الناقد عن الاتجاه الفني فانه يتحول على يديه إلى مجرد وثيقة اجتماعية أو نفسية أو لغوية أو فكرية عن الأدب والمجتمع. فالاتجاه الفني مهم لإعطاء الأسس الفنية للنص والأدب.
ومن سلبيات تطبيقه الإكثار من الاعتداد بالشكل الفني والانشغال عن المضمون.
لذلك نرى بعض النقاد يعظمون من شأن بعض النصوص ويكون هذا النص فيه كثير من التجني والاعتداء على بعض القيم والمبادئ. وحجة الناقد أنه لا يهتم إلا بالجانب الفني. فيكون سببا في نشر أمور سلبية ومن النقاد الذي أخذوا في هذا الاتجاه: عباس محمود العقاد، ويحيى حقي، وزكي مبارك.
2-الاتجاه التاريخي:
هو الاتجاه الذي يدرس فيه الناقد الـمؤثرات التي أثرت في النص ومن هذه المؤثرات دراسة صاحب النص وبيئته والظروف الاجتماعية والثقافية التي عاشها الأديب وتأثيرها على أدبه.
ويؤخذ على هذا الاتجاه الاستقراء الناقص ومن المآخذ عليه أيضاً الحكم بالأسبقية لشاعر ما في أمر من الأمور فتؤكد بعدها البحوث عكس هذا.
3-الاتجاه النفسي :
ويهتم بدراسة الجانب النفسي في الأدب والنص المنقود ، ويبرز تأثر العمل الأدبي أو النص بنفسية الأديب وإبراز مراحل العمل الفني وإيصاله من نفسية الأديب إلى نفسية القارئ وهناك دراسات في هذا الجانب ومنها دراسة مصطفى سويف (الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة) حيث استخدم المنهج التجريبي الموجه وقام بعمل استبيان على عدد من الشعراء تتضمن أسئلة عن وصف تجاربهم النفسية أثناء إبداعهم الشعري.
ومما يؤخذ على هذا الاتجاه التركيز على الجانب النفسي مما يترتب عليه تلاشي القيم الفنية. كما أنه عند المبالغة في هذا الاتجاه يتساوى النص الجيد والنص الرديء لأن النقد تحول حينئذ إلى دراسة تحليلية نفسية.
4-الاتجاه التكاملي:
وهذا الاتجاه يجمع بين جميع الاتجاهات السابقة وينظر إلى النص نظرة شمولية لا تغلب فيها جانب على الجانب الآخر.
ويمتاز هذا الاتجاه بتوازنه الفني بين المحتوى والشكل ويحكم على النص أو العمل الأدبي بمقدار ما فيه من مضمونه من فن وفي هذا الاتجاه يتم تفسير العمل الأدبي في ضوء عصره وظروفه الحضارية والتاريخية والاجتماعية وفي ضوء ظروف صاحب النص والعمل الأدبي.
ومن أبرز المآخذ على هذا الاتجاه التكاملي:
خضوع كل ناقد للجانب الذي يجيده ويبرز فيه ولهذا يصعب عليه التعامل بنفس الكفاءة مع الجوانب الأخرى التي قد لا يكون يجيدها أو لا يعرفها.
وهناك مظاهر كثيرة في النقد الأدبي العربي فهناك: نقد لفظي، وآخر معنوي، وثالث موضوعي ..
ومن النقد اللفظي ما هو لغوي أو نحوي أو عروضي أو بلاغي
ومن المعنوي ما يتصل بابتكار المعاني أو تعميقها أو توليدها أو  أخذها ثم ما يتصل بالخيال وطرق تصويره للعاطفة ثم العاطفة الصادقة والمصطنعة.
ومن النقد الموضوعي ما يليق بكل مقام من المقال أو الفن الأدبي.
وفي العصر الحديث: نشهد درجتين للنقد الأدبي:
أولاً الدرجة السريعة:
وتتناول الآثار الأدبية أو الفنية التي تقدم كل يوم إلى الصحف والمجلات وتعد هذه الدرجة نوعاً من الوصف يعتمد على ملاحظات سريعة تعين القارئ على معرفة ما يصلح من الكتب أو النصوص التي تصدر تباعاً.
ثانياً: الدرجة المتأنية :
وهي أسمى من الأولى وأبقى إذ كانت عاملاً من عوامل الرقي ونشر الثقافة العامة بين القراء. وتعتمد على الدراسة العميقة والثقافة العريضة والتفكير الواضح السديد والموازنة الشاملة وهي تنتهي في الغالب بعرض خلاصة كافية للآثار المنقودة أو (بإكمال) ما ينقصها أو يفتح آفاق جديدة للبحث متصلة بموضوع الكتاب.
شروط الناقد:
هناك أسس علمية مباشرة لفن النقد الأدبي وهي شروط يجب أن تتوفر في الناقد:
1- الذكاء أو الخبرة :وذلك أن يكون الناقد ذا معرفة واسعة بالفن الأدبي الذي ينقده ثم بما يلابسه من فنون وموضوعات أخرى . لان النقد الأدبي لا تتضح قضاياه ولا تستقيم أحكامه حتى يعتمد على مقاييسه الخاصة ثم يستعين – بالموازنة– بمقاييس الفنون الأخرى .
ومن نواحي الخبرة أن يكون الناقد مطلعاً على عصر الأديب ومكانته وسيرته .
2- المشاركة العاطفية وتسمى بالتعاطف : وهي الخطوة الثانية والمراد بها أن يكون الناقد ذا قدرة على النفاذ إلى عقول الأدباء والكتاب ومشاعرهم يحل محلهم ويأخذ مواقفهم أمام التجارب التي يرسمونها والفنون التي يعالجونها ليرى بأعينهم ويسمع بآذانهم لعله يدرك الأشياء كما يرونها.
وهو بذلك يحاول نسيان نفسه ليحيا فترة في ظل شخصية الكاتب وفي نفسيته وبيئته بشكل اندماجي معهم .
وتتطلب المشاركة العاطفية أيضاً أن ينسى الناقد ميوله الخاصة وذوقه. وينسى صلاته الأخرى – إن وجدت- بالشعراء أو الكتاب سلبية كانت أو ايجابيه.
وينسى ما في نفسه من قيم وأفكار عن هؤلاء الكتاب لئلا تسبقه فتؤثر على نقدهم وتدوين آثارهم.
ومن الإنصاف أيضاً أن ينسى الكاتب أمر التعاطف مع جنسيته وقوميته وحزبيته وغيرها من العوامل والأهواء التي قد تؤثر أو تشوه حقائق النصوص أمامه.
3- الذاتية أو الفردية: وهي الشرط الأخير . وهي العودة إلى النفس والخروج من دنيا الأدباء إلى دنيا الناقد نفسه بعد هذه النقلة أو الرحلة السالفة. ونريد بالذاتية أن يضيف الناقد إلى مشاركته العاطفية مقياسه الدقيق الخاص به الذي لا يصرفه عن سلامة الحكم والإنصاف في التقدير.
وهذا المقياس الخاص مزيج من الذوق السليم والمعرفة الشاملة أو هو هذه المواهب النفسية التي تتلقى آثار الأدب مجتمعة فتتذوقها وتحكم عليها.
وفائدة الذاتية أنها تعطي للناقد الابتكار والجد والطرافة وقوه اليقين. لأن النقد ثمرة شيئين:
1-دراسة موضوعية للأدب بمشاركة منشئه.
2-أو تقدير شخصي يصور من الناقد عقله وشعوره وذوقه.
ولابد من وضع القارئ نفسه في الظروف التي أحاطت بالكاتب وقت كتابته هذه الطريقة تمكن القارئ والناقد من فهم روح الكتابة.
فالناقد مرآة صافية واضحة جلية كأحسن ما يكون الصفاء والوضوح والجلاء وهذه المرآة تعكس صورة الأديب والكاتب نفسه كما تعكس صورة القارئ وكما تعكس صورة الناقد فالصفحة في النقد الخليق بهذا الاسم مجتمع من الصور لهذه النفسيات الثلاث:
1- نفسية المنشئ المؤثر.
2- نفسية القارئ المتأثر.
3- ونفسية الناقد الذي يصل فيقضي بينهما بالصورة المطلوبة.



[1] انظر: النقد الأدبي – أصوله ومناهجه، سيد قطب،

0 التعليقات:

إرسال تعليق